mahmoudhussin
  الانتظار والسؤال
 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
      
فتلك هي الحلقة الرابعة عشر من حلقات سلسلة الحديث عن الدار الآخرة ،نستكمل الحديث عما فى يوم الانتظار والسؤال ، ثلاثمائة عام تقفها الخلائق لا يأكلون ولا يشربون ولا يشمون ريح نسيم وفى قول آخر يقفون خمسين ألف سنة ، قال عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما  تـلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل  : (( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )) المطففين 6ثم قال : ((كيف بكم إذا جمعكم الله كما تجمع النبلفي الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم )) ، الكنانة هي الجراب الذي تجمع فيه أسهم النبل ، لا حول ولا قوة إلا بالله يقف العباد فلا يَنْظُرُ لهم الحق جل وعلا خمسين ألف سنة فيا لهول ذلك الأمر العصيب .
      ورغم ذلك الانتظار فإن هناك بشرى فإن من طال انتظاره فى الدنيا للموت لشدة مقاساته للصبر عن الشهوات فانه يقصر انتظاره فى ذلك اليوم خاصة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن طول ذلك اليوم فقال :
 (( والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتىيكون أهون عليه من الصلاة المكتوبةيصليها فى الدنيا ))
يوم مقداره خمسين ألف سنة يخففه الله بمقدار وقت الصلاة المكتوبة على المؤمنين الذين صبروا على الطاعات والشهوات فى الدنيا.
     ثم بعد ذلك الانتظار أحبائي فى الله يكون السؤال فَتُسْأَلُ الخلائق عن القليل والكثير ، وعن النقير والقطمير ، فبينما الناس فى شدة كرب القيامة وعرقها وشدة عظائمهــا يُنْظَـُر فى الخلائق ف((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ )) الرحمن 40 تنزل ملائكة من أرجاء السماء غلاظ شداد يأخذون بنواصى المجرمين إلى موقف العرض على رب العالمين .
 
    ثم تقوم الملائكة { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً }النبأ38 يقومون صفا من الجوانب وهم بالخلائق محدقينوقد علا وجوه جميعهم شعار الذل والمهابةوالخضوع لشدة اليوم وعند ذلك يبدأ رب المشارق والمغارب فى سؤال الرسلوالخلائقفيبدأ سبحانه بالأنبياء وذلك قوله جل شأنه :((يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ))المائدة 109
ثم يسأل الخلائق وذلك قوله جل وعلا : ((فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ))(الأعراف 6و7)
وكذلك قوله تعالى:    (( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ ))الحجر92
 
      إنه يوم عباد الله تتيه فيه العقول من هيبة الله إذ يقال للأنبياء : ماذا أجبتم وقد أرسلتم إلى الخلائق فلا يدرون بماذا يجيبون فيقولون من شدة الهيبة لاعلم لنا إنك أنت علام الغيوب ، إلى أن يقويهم الله تعالى فيدعى نوح عليه
 
السلام فيقال له :هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم فيقال : لأمته هل بلغكم ؟ فيقولون : ماأتانا من نذير ،ويؤتى بعيسى عليه السلام فيقول الله تعالى : (( أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ؟)) فيبقى عيسى تحت هيبة ذلك السؤال سنين ، ثم تسأل الأنبياء ، ثم تقبل الملائكة فينادون الخلائق واحداً واحداً يافلان إبن فلانه هلم إلى موقف العرض فترتعـد الفرائص وتضطرب الجوارح وقبل الابتداء يبدأ بالسؤال .
       قال أنس رضى الله تعالى عنه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم قال :(( أتدرون ممن أضحك ؟ قلنا الله ورسوله أعلم ،قال : من مخاطبة العبد ربه يقول يارب ألم تجرنى من الظلم قال : يقول : بلى قال :فيقول : فإني لاأجيز على نفسى إلا شاهدا منى فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا قال : فيختم على فيهـ أى فمه ـ ويقال لأركانه إنطقى قال : فتنطق بأعماله ثم يخلــى بينه وبين الكلام   فيقول لأعضائه بعدا لكـن وسحقا فعنكن كنت أناضل ))وذلك قول الله تعالى فى سورة يس 65 : (( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) فنعوذ بالله من الافتضاح على ملأ الخلق بشهادة الأعضاء ونسأله سبحانه أن نكون من المؤمنين الذين وعدهم الله بأن يستر عليهم ولا يطلــع عليهم غيــره ، فما من أحد إلا ويسأله ربه يقول صلى الله عليه وسلم : (( ما منكم من أحد إلا ويساله الله رب العالمين                ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان ))
     سأل ابن عمر رجل فقال له كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى ـ أى النجوى بين العبد الصالح وربه ـ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: (( يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقول عملت كذا وكذا فيقول نعم ثم يقول إنى سترتها عليك فى الدنيا وإني أغفـرها لك اليـوم )) وقال كذلك فى حديث آخر :(( ليقفن أحدكم بين يدى الله عز وجل ليس بينه وبينه حجاب فيقول له ألم أنعم عليك ألم آوتك مالا   فيقول : بلى فيقول : ألم أرسل إليك رسولا    فيقول : بلى
ثم ينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة فان لم يجدها فبكلمة طيبة )) ،   فليتق كل منا ربه وليتق يوما سيسأل فيه عن أربع خصال كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم :(( عن عمره فيما أفناه وعن علمه ماعمل فيه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه )) .
    وبعد السؤال ينصب الميزان فتتطاير الكتب وتشخص إليها الأبصار أتقع فى اليمين أو فى الشمال وينادى العباد كل باسمه فيقرأ كلٌ كتابــه ، يقول رب الأرباب حين ينشر الكتاب  : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ *إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ
 
 
* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ *وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ }الحاقة18ـ29
       وبعد تطاير الصحف تشخص الأبصار إلى لسان الميزان أيميل إلى جانب السيئات أم إلى جانب الحسنات ، يقول جل وعلا : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }الأنبياء47 ، وقال عز من قائل : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } .
روى الحسن: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان راسه فى حجرعائشة رضى الله عنها فذكرت الآخرة فبكت حتى سال دمعها فنقط على خـد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه فقال : (( مايبكيك ياعائشة ؟ قالت ذكرت الآخرة هل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ قال : والذى نفسى بيده فى ثلاثة مواطن فان أحدا لا يذكر إلا نفسه :إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر إبن آدم أيخف ميزانه أم يثقل وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ كتابه أبو بشماله   وعنــد الصـــــراط ))
   وأخرج البخاري في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرأوا إن شئتم : { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً })) الكهف105 ،  قيل أن معنى ذلك الحديث أنه لا ثواب للكافرين وأعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن فى موازين يوم القيامة ، ومن لا حسنة له فهو فى النار ، قال رب العزة جل شأنه :{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْلاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء }إبراهيم 42: 43
     وبعد السؤال والميزان يساق الناس إلى الصراط وهو جسر ممدود على متن النار أحـد من السيف وأدق من الشعر فمن إستقام على الصراط المستقيم فى الدنيا خف على صراط الآخرة ونجا ، ومن عدل عن الاستقامة فى الدنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى ، تعثر فى أول قدم من الصراط وتردى .
قال : أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( الصراط كحد السيف أو كحد الشعرة وإن الملائكة ينجون المؤمنين والمؤمنات وإن جبريل عليه السلام لآخذ بحجزتى وإني لأقول يارب سلم سلم فالزالون والزالات يومئذ كثير))
      لقد حذر الحبيب وأخبر عن ذلك ، قال : أبو سعيد الخدرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( يمـر الناس على جسر جهنم وعليه حسك وكلاليبو وخطاطيف تختطف الناس يمينا وشمالاوعلى جنبتيه ملائكة يقولون اللهم سلم اللهم سلمفمن الناس من يمر مثل
 
البرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس المجرى ومنهم من يسعى سعيا ومنهم من يمشى مشيا ومنهم من يحبو حبوا ، ومنهم من يزحف زحفافأما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيونوأما الناس فيؤخذون بذنوب وخطايا فيحترقون فيكونون فحما ثم يؤذن فى الشفاعة ))
 وبعد جواز الصراط يحبس الناس على قنطرة بين الجنة والنار روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( يخلص المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقْتَصَ لبعضهم من بعض مظالمَ كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هُذِبُوا ونُقُوا أذن لهم في دخول الجنة فوالدي نفسي بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا )) ، والحديث أخرجه البخاري وابن حبان والحاكم في المستدرك .
     وأخرج الحاكم وأحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص ولم أسمعه فابتعت بعيرا فشددت رحلي عليه ثم سرت شهرا حتى قدمت مصر فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت له : حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسمعه في القصاص فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال عبد الله بن أنيس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( يحشر الله العباد وقال الناس عراة غرلا بُهْمَاً قال قلنا ما بهما قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف ذا وإنما نأتي الله غرلا بُهْمَاً قال بالحسنات والسيئات قال وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله جل وعلا :{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }غافر17
     فإذا تم القصاص بين الناس يدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم لبعض غل وذلك قوله جل وعلا :{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }الحجر47
     لذلك كله ليعمل كل مسلم جاهدا ليتحلل من مظلمته لأخيه فليسهناك درهم ولا دينار وإنما يؤخذ من الحسنات روى البخاري عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فانه ليس ثم دينار ولا درهم ، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته ، فان لم يكمن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه ))
    فتزودوا عباد الله بالأعمال الصالحة واغتنموا من صحتكم ما يساعدكم على طاعة الله وعبادتـه حق العبادة والعون عند ملاقاتـه وللحديث بقية ...
 
 
  Today, there have been 8690 visitorson this page!  
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free