mahmoudhussin
  كلام رب العباد للعباد فى الجنة
 
الحمد لله ولى الأمر والتدبير
وأصلى واسلم على سدنا محمد صاحب القدر الكبير
وعلى آله آله ماط الفضل والتقدير
وعلى صحابته الأجلاءذوى الفضل الكبير
 
أحبتى فى الله ...
     ومع الحلقة الثالثة والعشرين من لقاءات السلسلة المباركة في رحاب الدار الآخرة، نواصل الحديث عن رؤية العباد لرب العباد ، وكلامه جل وعلا لهم فى الجنة بغيرحجاب ولا ترجمان .
      جاء فى تفسير هذه الآية أنه لو كان الله سبحانه وتعالى لايكلم عباده المؤمنين لكانوا فى ذلك هم وأعداؤه سواء ، لذلك فقد اخبر الله سبحانه وتعالى انه يسلم على اهل الجنة وان ذلك السلام حقيقة وهو قول من ربرحيم وقد روى جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليــه وسلـم قال فى تفسير تلك الآية انه جل شأنه يشرف من فوقهم ويقول : سلام عليكم يااهل الجنة فيرونه عيانا وفى هذا اثبات للرؤية والتكليم والعلو وقد روى بريدة عن رسول الله صلى اله عليه وسلم انه قال :
(( مامنكم من أحد الا سيخلو به ربه وليس
 بينه وبينه ترجمان ولا حجابا ))
 
 اى ان الله جل شأنه سيكلم عباده بغير واسطة ، فأفضل نعيم اهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى وتكليمه وهو اعلى نعيمها وافضله الذى ماطابت لأهلها الا به .
        كما ان اهل الجنة اذا سكنوها اتاهم ملك فيقول لهم : ان الله تبارك وتعالى يأمركم ان تزوروه فيجتمعون فيأمر الله تبارك وتعالى داود عليه السلام فيرفع صوته بالتسبيح والتهليل ثم توضع مائدة الخلد ، قال الصحابة رضوان الله عليهم: يارسول الله ومامائدة الخلد ، قال :
 (( زاوية من زواياها اوسع مما بين المشرق والمغرب فيطعمون ثم يسقون ثم يكسون فيقولون : لم يبق إلا النظر فى وجه ربنا عز وجل فيتجلى لهم فيخرون سجدا ، فيقال لهم : لستم فى دار عمل ، إنما انتم فى دار جزاء )
 
أحبائى فى الله ... اذا كان الله جل وعلا قد أعد كل ذلك النعيم لأوليائه فى جنته فما حال الكافرين ، إن الكافرين والعصاة المشركين هم المحجوبون عن رؤية رب العالمين ، وفى حجبهم تعذيب لهم فقد روى عن ابن المبارك أنه قال : ماحجب الله عنه احدا الا عذبه ، ثم قرا قول الله تعالى :
 
{كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ *
ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ }المطففين 15 /17 
 
     لقد جعل الله أعظم عقوبة للكفار أنهم محجوبون عن رؤيته واستماع كلامه ، فلولم يره المؤمنون ولم يسمعوا كلامه ، كانوا أيضا محجوبين عنه ، ذكر الطبرانى وغيره عن المزنى أنه قال : سمعت الامام الشافعى يقول فى قوله عز وجل :{كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة .
  
     وقال أبو زرعة الرازى : سمعت أحمد بن محمد بن الحسين يقول : سئل محمد بن عبد الحكم ، هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون والكفار ؟ فقال محمد ابن عبد الله : ليس يراه الا المؤمنون ، قال محمد : وسئل الشافعـى عن الرؤية ؟ فقال : يقول الله تعالى : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } ففى هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عز وجل .
 
      وروى الحاكم عن الاصم عن الربيع بن سليمان قال : حضرت محمد ابن ادريس الشافعى وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ماتقول فقى قول الله عز وجل : {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } فقال الشافعى : لما أن حجب هؤلاء فى السخط كان هذا دليل على أن أولياءه يرونه فى الرضا ، قال الربيع : فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول : قال نعم وبه ادين الله ولو لم يوقن محمد بن ادريس انه يرى الله ، لما عبد الله عز وجل .
 
     انظروا أحبائى فى الله الى ذلك الإيمان الصادق الذى يشع من كلمات هؤلاء ، انهم هم الذين عرفوا الله وقدروا الله حق قدره ، هؤلاء هم التابعين فمابالنا بصحابة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم . 
أحبتى فى الله ...
 قال رب العزة جل وعلا : { لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}الأنعام103 فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم ، أى أنها لاتحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بأن شيئا يحيط به وهو بكل شئ محيط ، فهو العظيم فى لطفه اللطيف فى عظمته ، العالى فى قربه ، القريب فى علوه الذى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11
 
      إن اهل الجنة فى نعيمها مقيمون والى ربهم يتوزاورون والى وجهه الكريم ينظرون وفى رحاب حضرته يتكلمون ، فنسأل الله أن نكون منهم وليكن دعاءنا أن يمتعنا الله سبحانه وتعالى بلذة النظر اليه وأن نزداد شوقا للقائه جل وعلا
 
ولنتهتدى فى ذلك بهدى رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلنا فيه القدوة فقد ورد فى صحيح الجامع أن من دعائه صلى الله عليه وسلم الذى كان يداوم عليه : (( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينى ماعلمت الحياة خيرا لى وتوفنى اذا علمت الوفاة خيرا لى وأسألك خشيتك فى الغيب والشهادة وكلمة الحق فى الغضب والرضا والقصد فى الفقر والغنا ولذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك فى غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين )) .
 
       تلك هى الجنة أحبائى فى الله وذلك حال داخليها فإذا أردنا أن نكون من داخليها الذين ينظر الله اليهم يوم القيامة ويتجلى لهم فى جنات النعيم فعلينا أن نتمسك بكتاب الله عملا بقوله تعالى :
 {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }النساء 29
    وعلينا أن نعمل على إحياء سنة رسول الله وأن نكون من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر وألا نبخل على الله بعبادته كما أمر فان لعبادته جل شأنه كما أمر فضل كبير على العباد بل هى السبيل الى الجنة فقد قال تعالى النساء 122 :
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }
 
     كذلك أحبائى فى الله فان من يعمل صالحا لا يحظى بالجنة فقط وانما يستظل بظل الله الظليل قال رب العزة جل وعلا :
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً } النساء57
 
أحبائى فى الله ... قال رب العزة جل وعلا :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }آل عمران77 
 
أيها الأحبة فى الله ...وبعد أن أجبنا على السؤال الأول ماذا بعد الجنة وعرفنا أن بعد الجنة رؤية العباد لرب العباد بقى أن نجب على السؤال الثانى ماذا علينا أن نفعل من الآن لنحظى بالجنة وبرؤية الخالق جل وعلا ؟
والاجابة على ذلك يسيرة علينا أولا أن نعلم أن  ليوم الجمعة فضل عظيم على المسلمين فى الدنيا فهو يومهم الذى اختاره الله لهم ، وللتبكير لصلاة الجمعة فضل على المبكرين اليها فتكتب الملائكـــة اسماءهم فى سجلاتها التى تعرض فى صحائفهم يوم القيامة فإن اسـرع الناس الى الله يـوم الجمعة فى الدنيا هم اقرب الناس منه مجلسا فى الجنة فقد روى ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال :
 (( إن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى فى كل يوم جمعة
فى رمال الكافور ، وأقربهم منه مجلسا أسرعهم
اليه يوم الجمعة وأبكرهم غدوا ))
 
لذلك احبائى فى الله ...
   إذا اردتم الجنة والنظر الى ربكم جل وعلا فعليكم بأمور ثلاث فى الدنيا ، أولها التبكير لصلاة الجمعة فقد أخرج ابن ماجة عن يحيى بن سلام قال : اخحبرنا رجل من أهل الكوفة عن داود بن أبى هند عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن أهل الجنة لينظرون الى ربهم فى كل جمعة على كثيب من كافور لايرى طرفاه ، وفيه نهر جار حافتاه المسك عليه جوار يقرأن القرآن بأحسن أصوات سمعها الأولون والآخرون ، فإذا انصرفوا الى منازلهم أخذ كل رجل بيد من شاء منهن ثم يمرون على قناطر من لؤلؤ الى منازلهم فلولا أن الله تعالى يهديهم الى منازلهم مااهتدوا اليها لما يحدث الله اليهم فى كل جمعة ))
    وأخرج ابن المبارك فى زوائد الزهد عن ابن مسعود قال : (( تسارعوا الى الجمعة فإن الله يبرز لأهل الجنة كل يوم جمعة فى كثيب من كافور ابيض فيكونون معه فى القرب )) قال ابن المبارك : على قدر تسارعهم الى الجمعة فى الدنيا .
أما الأمر الثانى: فعليكم بغراس الجنة ، أتدرون ماهو غراس الجنة أخرج الترمذى عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لقيت ابراهيم عليه السلام ليلة اسرى بى فقال :
يامحمد أقرئ أمتك منى السلام وأخبرهم أن الجنة
طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها
سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ))
 
وروى ابن ماجة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يغرس غرسا فقال : (( يا أبا هريرة مالذى تغرس؟ قال : غرسا قال :
 ألا أدلك على غراس خير من هذا ؟  سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ، يغرس لك بكل واحدة شجرة فى الجنة ))
 
أما الأمر الثالث أحبائي فى الله ، فعليكم بتقوى الله فى السر والعلن وعليكم بصفات المتقين ولن يكون المرء تقيا إلا إذا شعر بالخوف من الله جل وعلا ، فتعلموا عباد الله كيف يكون الخوف من الله ، قال أحد الصالحين علامة الخوف من الله تعالى فى سبعة أشياء :
 أولها: يتبين فى لسانه ( أى ينظر المرء فيما يقول) فيمنع لسانه من الكذب والغيبة وكلام الفضول ، ويجعل لسانه مشغولا بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ومذاكرة العلم .
والثاني : أن يخاف فى أمر بطنه ، فلا يدخل بطنه الا طيبا حلالا ولا يأكل من الحلال الا مقدار حاجته .
والثالث : أن يخاف فى أمر بصره فلا ينظر الى الحرام ولا الى الدنيا بعين الرغبة وانما يكون نظره على وجه العبرة .
 والرابع : أن يخاف فى أمر يده فلا يمد يده الى الحرام وإنما يمد يده الى مافيه طاعة الله عز وجل .
 والخامس : أن يخاف فى أمر قدميه فلا يمشى فى معصية الله .
والسادس : أن يخاف فى أمر قلبه فيخرج منه العداوة والبغضاء وحسد الاخوان ويدخل فيه النصيحة والشفقة للمسلمين .
والسابع : أن يكون خائفا فى أمر طاعتة فيجعل طاعته خالصة لوجه الله تعالى ويخاف الرياء والنفاق فهما بليتان أصيب بهما بنى الإنسان ، فإذا فعل ذلك فهو من الذين قال فيهم جل وعـلا : { وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }الزخرف35 وقـال فى آيـة أخــرى : {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً }النبأ31 أى نجــاة وسعـادة وقــال فى آية ثالثـة : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ }الدخان51 وقد مدح الله المتقين فى كتابه فى مواضع كثيرة وأخبر بأنهم ينجون من النار فقال جـل وعـلا : { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }مريم72 .
     وعلى كل امرئ عمل حسنة أو عملا يبتغى به وجه الله تعالى فليحذر أن يكون هذا العمل تشوبه شائبة أو يعيبه عيب سواء كان ذلك فيما أنفق فيه من مال وأن يكون قد عمله برضا نفس منه أو من غيره  فيجب أن يكون ذلك العمل طيبا فان الله طيب لا يقبل الا كل طيب ، قال أحد الصالحين : من عمل الحسنة يحتاج الى الخوف فى أربعة اشياء ، فما ظنك بمن يعمل السيئة : أولها: خوف القبول لأن الله تعالى قال : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27 والثانى : خوف الرياء لأن الله تعالى يقول {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5 والثالث : خوف التسليم والحفظ لأن الله تعالى قال : { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }الأنعام160 فاشترط المجئ بها الى الدار الآخرة ، والرابع : خوف الخذلان فى الطاعة لأنه لايدرى أنه هل يوفق أم لا فالتوفيق لايكون الا بالله قال رب العزة جل وعلا:
{ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88 .
 
اللهم ارزقنا الجنة ومايقربنا إليها من قول وعمل
وابعدنا عن النار ومايقربنا إليها من قول وعمل
اللهم ارزقنا لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك
اللهم انا نسألك أن ترزقنا نعمة الصبر والرضا
والى اللقاء فى الحلقة القادمة مع التستاؤل الأخير ماذا بعد حديث الدار الآخرة
 
 
  Today, there have been 8688 visitorson this page!  
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free