الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى
أحبائي في الله ...
هذه هي الحلقة السابعة من سلسلة الحديث عن الدار الآخرة ، ومع الجزء الثانى من علامات الساعة وهى العلامات الكبرى ، وكنا قد انتهينا فى الحلقة السابقة وبإيجاز من استعراض بعضا من أشراط وعلامات الساعة الصغرى والتى يلى ظهورها الأشراط الكبرى العظام التى تتزلزل لها الأركان وتكون منذرة بدنو قيام الأنام للملك العـلام .
وحديث اليوم عن العلامات الكبرى التى ستقع قبل قيام الساعة مباشرة ، بما ذكرة النبى صلى الله عليه وسلم هذه العلامات فى حديثه الصحيح الذى رواه مسلم فى كتاب الفتن وأشراط الساعة عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضى الله تعالى عنه قال : اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر. فقال:
(( "ما تذاكرون؟" قالوا: نذكر الساعة. قال "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات". فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج. وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب. وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم " )) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن طلوع الشمس من مغربها هو أول العلامات الكبرى مستندين فى ذلك إلى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم فى صحيحه واحمد وأبو داوود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال
(( إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها
وخروج الدابة على الناس ضحى فأيتهما ما كانت
قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا ))
وقيل أن هذا الذي ذهبوا إليه ليس بصواب وإنما يسبق طلوع الشمس من مغربها ثلاث علامات كبار أولهات ظهور الدجال ثم نزول عيسى بن مريم عليـه السلام ثم خروج يأجوج ومأجوج ، ذلك أنه بطلوع الشمس من مغربها يغلق باب التوبة و{ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً }الأنعام158 فالمقرر والمعروف أن عيسى عليه السلام بنزوله سيدعو الناس إلى الإسلام وسيؤمن به أقوام من النصارى قال جل وعلا : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }النساء159 فلو كان سبق ذلك طلوع الشمس من مغربها لم يكن ينفعهم ايمانهم .
قال الإمام الطبرى والحافظ بن حجر فى فتح البارى :
(( إن مدة لبث الدجال إلى أن يقتله عيسى ثم لبث عيسى وخروج يأجوج ومأجوج كل ذلك سابق على طلوع الشمس من المغرب ، فالذى يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة فى معظم الأرض وينتهى ذلك بموت عيسى بن مريم ، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوى وينتهى بقيام الساعة ))
ولعل طلوع الدابة يكون فى نفس اليوم الذى تطلع فيه الشمس منم مغربها والله أعلم .
خلاصة الأمر أن تلك العلامات الكبرى تقعمتتابعة كحديث النبى صلى الله عليه وسلم كحبات الخرز أو كحبات العقد إذا انقطع ففى تتابعها إثر بعضها يقول صلى الله عليه وسلم فى حديث أخرجه أحمد بسند صحيح : (( الآيات خرزات مضمومات فى سلك فان يقطع السلك يتبع بعضه بعضا ))
قال بن حجر فى فتح البارى أن خروج الدجال هو أول الآيات العظام ، فعن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفا خوارق الدجال أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ويمر بالخربة فيقول لها أخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاقيب النخل ، ما من بلد إلا سيدخله إلا مكة والمدينة فإنهما محرمتان عليه ، وقد حذر النبى المختار من تلبيسه وتدليسه بأحلى الأوصاف وأشد الإنذار .
وكلمة المسيح لفظ أطلق على الدجال وأطلق على المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، فإذا أريد به الدجال قيدت به فيقال : (( المسيح الدجال )) وإذا أطلق مجردا وقيل المسيح فقط فيراد به المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بقوله فى الدجال : (( مسيــــــــح
الضلالة )) فدل على أن عيسى بن مريم ( مسيح الهدى ) . وهذا على نحو ما ورد فى ج 13 فى فتح البارى كتاب الفتن باب ذكر الدجال لمن أراد الاستزادة .
والمسيح الدجال ليس هو أول دجال ولكنه آخر الدجاجلة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالا كذابا ))
والحديث رواه أحمد عن ابن عمر وصححه الألبانى ، وقد ظهر دجالون كثيرون ومتنبئون كذبة منهم مسيلمة الكذاب والأسود العنسى وطليحة الأسدى وسجاح والشقي غلام القاديانى وغيرهم .
وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ وصف وبينه بيانا شافيا فقال صلى الله عليه وسلم : (( مكتوب بين عينيه كافر )) وتهجاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( كاف ـ فاء ـ راء " ك ف ر " يقرؤها كل مؤمن قارئ وغير قارئ )) ،
وأورد البخاري فى صحيحه قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا إبراهيم، عن صالح، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: (إني لأنذركموه، وما مــــــن
نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور ، وإن الله ليس بأعور ) .وقيل أنه سمى مسيحا لأنه ممسوح العين طافئة لا شعاع فيها ، ممسوح الحاجب الأيمن ..
ولشدة فتنة الدجال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك مما رواه مسلم فى صحيحه أنه قال : (( مابين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال )) وفى رواية للإمام حمد فى مسنده عن هشام بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( مابين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال )) وذكر مسلم وأحمد والترمذى عن أم شريك قوله صلى الله عليه وسلم :(( ليفرن الناس من الدجال فى الجبال ))
قال البخارى حدثنا عبدان: أخبرني أبي، عن شعبة، عن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: (إن معه ماء وناراً، فناره ماء بارد وماؤه نار ) .قال أبو مسعود: أنا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم ).
أما عن مكان وجود الدجال وهل هو موجود فعلا أم لا فقد أخرج مسلم فى صحيحه فى كتاب الفتن واشراط الساعة حديثا طويلا عن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس. وكانت من المهاجرات الأول. قالت خرجت إلى المسجد. فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك. فقال "ليلزم كل إنسان مصلاه". ثم قــــال "أتدرون لما جمعتكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال "إني، والله! ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة. ولكن جمعتكم، لأن تميما الداري، كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم. وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ......
ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن. لا بل من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو" وأومأ بيده إلى المشرق. قالت فاطمة بنت قيس : فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما عن مكانه تحديدا فقيل أنه من قبل المشرق وجزم بأنه فى إقليم خراسان وأنه بقرية اصبهان على حدود بين روسيا وايران واستـدل فى ذلك بمـا رواه الترمذى والحاكم عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه وصححه الالبانى فى أحاديث المشكاة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان )) وفى حديث رواه أحمد ومسلم عن أنس رضى الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة )) والطيالسة قيل انه رداء يشبه الطرح .
ومن علامات خروج الدجال أن يسبق مجيئه فساد فى الأرض واضطرابات وفتن وحروب ومجاعات وجفاف الأنهار والبحيرات وتزايد المشاكل والأزمات العالمية ، فهذا هو المناخ المناسب لظهور هذا الكائن الشيطاني الذى تكون عامة فتنته فى المأكل والمشرب فنسأل الله السلامة ، فقد روى ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم عن أبى إمامة رضى الله تعالى عنه وصححه الالبانى فى صحيح الجامع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس مطرها ، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها ، ثم يأمـر السماء فى السنـــــة
الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله ، قيل : فما يعيش الناس فى ذلك الزمان ؟ قال : التهليل
والتكبير والتحميد يجرى ذلك عليهم مجرى الطعام )) ، فنسأل الله السلامة .
وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من الدجال فأخبر على نحو ما بينا فى وصفه أنه ما من نبى بعثه الله الا حذر قومه من الدجال وفى ذلك روى البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( وإني لأنذر كموه ، وما من نبى إلا قد أنذر قومه ، ولقد أنذره نوح قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبى لقومه إنه أعور وإن الله ليس بأعور ))
وروى احمد وأبو داوود والحاكم عن عمران بن حصين وقال الالبانى فى المشكاة صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يُبْعَثُ به من الشبهات ))
أما عن كيفية النجاة من فتنة الدجال ، فانه لعظم فتنته لما فيها من شر وبلاء فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف النجاة من هذه الفتانة خاصة وأن المؤمنين سيعايشون فتنة الدجال ويعاصرونها فأمرنا صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من فتنته ضمن أربع دبر كل صلاة فقال : (( إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم
ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال )) والحديث رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه ، فمن استعاذ بالله أعاذه الله ومن حافظ على هذا الدعاء حفظه الله .
ومن المنجيات من فتنة الدجال قوله صلى الله عليه وسلم :
(( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال )) و الحديث أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذى عن أبى الدرداء .. وفى رواية أبى داود : (( من آخر الكهف )) فمن قدر الله له أن يرى الدجال فليتفل فى وجهه "" كأنه خِنْزَبْ شيطان الصلاة "" وليقرأ عليه فواتح سورة الكهف أو خواتيمها فيعصمك بإذن الله .
كذلك ومن الأمور المنجيات من فتنة الدجال أن من سمع بظهوره لجأ إلى مكة أو المدينة فإنه لا يدخل واحدة منهما .
ومن عجز عن كل ما سبق يفر من أمامه فانه لا يضره مع لزوم الذكر والدعاء روى مسلم وأحمد والترمذى عن أم شريك قوله صلى الله عليه وسلم:
(( ليفرن الناس من الدجال فى الجبال ))