mahmoudhussin
  نزول عيسى
 
 
الحمد لله المتوحد فى الجلال بكمال الجمال تعظيما وتكريما
وصلاة وسلاما عن من أتم به الدين وأرسله للناس هاديا وسراجا منيرا
 
     هذه هي الحلقة الثامنة ونستكمل بها الحديث عن ثاني الأشراط العظام وهى نزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء نزولا حقيقيا بروحه وجسده حكما عدلا ماكثا فى الأرض أربعين سنة .
   قال جل وعلا عن عيسى عليه السلام : { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتََرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }الزخرف59 ـ 61  فهذا دليل نزوله ودليل أن نزوله علمٌ للساعة . يقول جل وعلا : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} فنزول عيسى علامة وأمارة على قيام الساعة وقد روى بن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : { وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِّلسَّاعَةِ} هو خروج عيسى عليه السلام فهذه علامة كبرى تدل على قيام الساعة .
     وروى ابن ماجه فى سننه قال : - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  (( لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم حكما مقسطا ، وإماما عدلا . فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد )) 
     
      وقبل البدء أحبائي فى الله فى الحديث عن تلك العلامة وهى نزول عيسى عليه السلام لابد لنا أن نعرف كيف رفعه الله إليه ، فقد أخبر الله جل وعلا عن ذلك بأن أنزل قرآنا يبين ذلك  فقال جل وعلا مخبرا عن كذب اليهود :
{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنََنََّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }النساء157ـ 159
      قال المفسرون أنه لما أراد رب العباد أن يرفع إليه عيسى عليه السلام ألقى الله شبه عيسى على واحد من تلاميذه هو يهوذا الاسخريوطى الخائن الذى أخذ اليهود ليدلهم على مكان نبى الله عيسى فابتلاه الله بأن ألقى عليه شبه عيسى فأخذه اليهود فقتلوه وصلبوه ظنا منهم أنه عيسى ، ورفع الله عيسى إليه لينزله آخر الزمان حكما مقسطا ، وإماما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويؤمن به أهل الكتاب قبل موته ، ويكون نزوله علما على اقتراب الساعة .
    وقد روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بسند صحيح رواه ابن حاتم والنسائي وأورده الحافظ بن كثير فى تفسيره لسورة النساء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال :
 
 
(( لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفى البيت إثنا عشر رجلا منهم الحواريين ، أي أن عيسى خرج عليهم من عين فى البيت ورأسه يقطر ماء فقال : إن منكم من يكفر بي إثنى عشرة مرة بعد أن آمن بى ، ثم قال : أيكم يُلقى عليه شبهى فيقتل مكاني فيكون معى فى درجتي ؟ فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له : اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال : أنا ، فقال : أنت هو ذاك ، فأُلْقِىَ عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى من روزنة فى البيت إلى السماء .
        قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبيه فقتلوه ثم صلبوه فكفر بعضهم اثنى عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق ، فقالت طائفة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلي السماء ، وهؤلاء هم اليعقوبية ، وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية ، وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء هم المسلمون ، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم . قال بن عباس : وذلك قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ
فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا
 عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ }الصف14
   وهذا إسناد صحيح لابن عباس على شرط مسلم ورواه النسائي عن أبى كريب عن أبى معاوية بنحوه ورواه ابن جرير عن مسلم بن جناده عن أبى معاوية .
       وبعد أن استعرضنا ما كان من أمر الميلاد المعجز للمسيح عيسى بن مريم وما كان من أمر رفعه إلي السماء عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، نعود إلى ماجاء فى أن نزول عيسى بن مريم علامة وأمارة على قيام الساعة وهو ما رواه بن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : { وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِّلسَّاعَةِ} هو خروج عيسى عليه السلام فهذه علامة كبرى تدل على قيام الساعة .
        فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام بعد ظهور المهدى وخروج الدجال وبعد أن تنقضى مدته التى قدرها الله بأربعين يوما (( يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم )) كما أخبر بذلك الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه ثم ينزل عيسى فأول شئ يبدأ به _ بعد الصلاة _ أن يقتل الدجال قائلا له (( إن لى فيك ضربة )) .
      أما عن مكان نزوله فعند المنارة البيضاء شرقى دمشق بسوريا حيث يكون المهدى والمسلمين معه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
 (( ينزل عيسى بن مريم عن المنارة البيضاء شرقى دمشق )) والحديث رواه الطبرانى عن أوس بن أوس .
      وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية نزول عيسى عليه السلام فقال فى حديث رواه أبو داود عن أبى هريرة وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( ليس بينى وبين عيسى نبى وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل )) .
   ويقول صلى الله عليه وسلم :
(( إذا بعث الله المسيح عيسى بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ))
 
     والحديث بعض من حديث رواه مسلم فى كتاب الفتن عن النواس بن سمعان رضى الله تعالى عنه . فعيسى عليه السلام رجل شاب ابن ثلاث وثلاثين سنة وهو السن التى رفع عندها ، مربوع أي بين الطويل والقصير ابيض أحمر سبط الشعر أى ناعم الشعر مسترسله تضرب لُمَّتَهُ بين منكبيه كأنه خارج من ديماس ( أى كأنه خارج من حمام ) إذا طأطأ رأسه قطر منه الماء وإذا رفعه تحدر منه حبات كاللؤلؤ ينزل لابسا مهرودتين ، أي ثوبين إزار ورداء مصبوغين يميلان إلى الصفرة ، وينزل واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، وأول شئ يبدأ به الصلاة ، فهو ينزل وقد أقيمت صلاة الصبح وتقدم المهدى فعلا ليصلى بالناس فما أن يرى عيسى حتى يتأخر ويرجع للخلف ويقول : ( تعال يا روح الله فصل ) فيأبى عيسى ويقول : ( لا إن بعضكم على بعض أمير ) .
     قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة ))
والحديث رواه مسلم فى كتاب الفتن وأحمد عن جابر رضى الله عنه ، فيالها من كرامة عظيمة لامة الحبيب صلى الله عليه وسلم .
    وفى رواية الإمام أحمد انه صلى الله عليه وسلم قال :
(( فإذا هم بعيسى بن مريم فتقام الصلاة فيقال له : تقدم يا روح الله ، فيقول : ليتقدم إمامكم فليصل بكم ))   
 قال الحبيب صلوات الله وسلامه عليه كما روى البخارى ومسلم واحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه : (( كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ؟ )) أى كيف يكون فرحكم وسروركم أيها المسلمون بلقاء هذا النبى الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهو بينكم ويصلى معكم .
    وقد يسأل سائل ما الحكمة فى نزول عيسى بن مريم عليه السلام دون غيره من الأنبياء ؟ ولماذا لم يصلى إماما وهو نبى ؟
والجواب عباد الله .. ما قاله بن حجر فى فتح الباري فى كتاب أحاديث الأنبياء قال : (( قال العلماء : الحكمة فى نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود فى زعمهم انهم قتلوه فبين الله تعالى كذبهم وأنه الذى يقتلهم ))  
    كما أن فى نزوله رد على الذين يزعمون ألوهيته فيكذبهم الله بنزول عيسى وإعلانه بشريته بل وإسلامه بكسر الصليب وقتل الخنزير ورفض الجزية .
        أما انه لما لم يصلى إماما فالجواب قاله ابن الجوزى :
(( لو تقدم عيسى إماما لوقع فى النفس إشكال وقيل أتراه نائبا أو مبتدئا شرعا ، فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجهُ قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا نبى بعدى )) .
     وبعد الصلاة ينصرف عيسى عليه السلام ويتولى بنفسه قتل الدجال اللعين ثم القضاء على اليهود ، ثم يدعو الناس إلى الإسلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام ، روى البخارى ومسلم واحمد والنسائي وابن ماجة عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ))
      ثم بعد ذلك تضع الحرب أوزارها وتنزل الأمنة فى الأرض ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رواه أحمد وصححه ابن حبان والحافظ بن حجر من رواية أبى هرير رضى الله تعالى عنه قال الصادق المصدوق صلوات ربى وسلامه عليه : (( فَيُهْلِكُ الله َفى زمان عيسى الملل كلها إلا الإسلام ويُهْلِكُ الله المسيح الدجال وتنزل الأمنة فى الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل    والنمار مع البقر   والذئاب مع الغنم ))
    روى ابن ماجة فى سننة وابن خزيمة عن أبى أمامة الباهلي رضى الله تعالى عنه وقال الألباني صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال :
((فيكون عيسى بن مريم عليه السلام في أمتي حكما عدلا، وإماما مقسطا. يدق الصليب ، وترفع الشحناء والتباغض. وتنزع حُمَّة كل ذات حُمَّة، حتى يُدخل الوليد يده في الحية، فلا تضره. وتضر الوليدة الأسد، فلا يضرها. ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها. وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء. وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله. وتضع الحرب أوزارها. وتسلب قريش ملكها. وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم . حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم. ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم. ويكون الثور بكذا وكذا، من المال. وتكون الفرس بالدريهمات)) .
     وروى احمد ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( والذى نفسى بيده ليُهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو لَيُثْنِيَنَهُمَا)) 
    
     ثم يمكث عيسى بن مريم عليه السلام فى الأرض سبع سنين وفى رواية أربعين سنة فالله اعلم بما سيكون ثم يتوفاه الله بعد أن يُهْلِكَ الله فى زمنه يأجوج ومأجوج على نحو ماسيكون الحديث عنه إن شاء الله فى الحلقة القادمة.    
 
 
  Today, there have been 8689 visitorson this page!  
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free