mahmoudhussin
  النفخ فى الصور الصعق والبعث
 
 
الحمد لله العظيم فى السماء عرشه     
 القاهرُ الشديدِ على الكافرين بطشه
مقلبُ الأيـامَ والدهـور      وجامعُ الأنامِ ليومِ النشـور
        وبعد فهذة هي الحلقة الثالثة عشر من حلقات سلسلة الحديث عن الدار الآخرة ،نستكمل الحديث بما ورد عن النفخ في الصور وما يعقب ذلك من فزع وبعث ونشور ثم حشر وعرق وانتظار وسؤال وميزان وتطاير للكتب وعرض على الواحد القهار ثم جواز على الصراط ثم السبيل إما جنـة أو نـار .
      وقبل أن نبدأ الحديث لابد من ذكر أمرين هامين أولهما : بشرى عن يوم القيامة فهو يوم عظيم على المؤمنين بكرامته ، عظيم على الكافرين بشدته فهو يوم يبدأ بحمد الله وينتهى بحمد الله ، فخروج الخلق فيه يكون بدعوة من الحق جل وعلا حيث قال جل شأنه : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ }الإسراء 52  فتقومون فتقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد ويختم به حيث يقول جل وعلا بعد أن يقضى بين الخلائق :
{ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الزمر75
     أما عن شدته على الكافرين فإنهم حين يبعثون يقولون :{ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا }يس52 فتقول لهم الملائكة : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ }يس52، وقيل أنهم هم الذين يردون على أنفسهم بذلك القول لأنهم وجدوا صدق ما كذبوا به فى الحياة الدنيا .   
        أما الأمر الثاني هو أن النفخ فى الصور يبدأ بالنفخة الأولى وهى نفخة الفزع لقوله جل وعلا : {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }النمل 87
 وتطول هذه النفخة فيفزع من فى السماوات ومن فى الأرض إلا من شاء الله ،قيل هم الأنبياء والشهداء لأن هذه النفخة يفزع منها جميع الأحياء ، ولأن الأنبياء والشهداء أحياء عند ربهم فانه جل وعلا يعصمهم من فزع هذه النفخة فتلك النفخة تصيب الكون بخلخلة فتُزلْزِلُ الأرضِ زلْزَالهً وتنسف الجبال نسفاً وتفجر البحار وتصير ناراً تلظى وتُصابُ السماءِ بانفطار عظيم وانشقاقٍ هائلٍ ، لذلك فقد حذر الحق تبارك وتعالى من ذلك فقال جل وعلا :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }الحج1
 ونفخة الفزع هي نفخة الصعق والموت قال جل وعلا :
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِفَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون َ}الزمر 68
فيصعق ويموت من فى السماوات والأرض إلا من شاء الله وهم ثمانية أنفس من الملائكة هم جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وحملة العرش الأربعة ثم يأمر الله ملك الموت فيقبض أرواحهم ولا يبقى إلا الجبار تبارك وتعالى ومعه ملك الموت فيقول الله له : (( يا مـلك الموت أنـت خلـق من خلقي خلقتك لما أردت ، فَمُتْ ))فيموت ملك الموت ولا يبقى إلا مالك الملك والملكوت الحي الدائم الذي لا يموتالأول الذي ليس قبله شئ ، الآخـر الذي
ليس بعده شئ ، ويبقى الكون على هذا الحال أربعين ، كما جاء حديث صحيح
 
رواه البخاري ومسلم عن الأعمش، عن أبي صالح،عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
 (( بين النفختين أربعون ، قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوما ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت ، قالوا أربعون شهرا ؟ قال أبيت ، قال: ثم ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة)).
وأبيت يعنى لا أعلم ، فهذه الأربعين غيب لا يعلمه إلا الله ، فبعد أن ينزل مطرا من السماء مثل الطل أو الظل تنبت منه أجساد الخلائق كما ينبت البقل ، فجسد الإنسان كله يبلى إلا عجب الذنب ( وهى العظمة الناتئة فى أسفل الظهر وتسمى
رأس العصعص ) ومنه يركب الخلق يوم القيامة ، فاعتبروا يا أولى الأبصار . وإن شئتم فاقرءوا قوله جل وعلا : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}فصلت39
     فإذا اكتمل الخلق أحيا الله تعالى إسرافيل أول ما يحيى ثم يأمره بالصيحة وهو قوله : (( أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة والأجزاء المتفرقة والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء )) وذلك قوله جل وعلا :
{إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }يس53
      ـ أما حملة العرش الأربعة يكونون ثمانية يوم القيامة يحملون عرش الرحمن
وذلك قوله جل وعلا ـ { وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَـــا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }الحاقة17
       ثم بعد ذلك تكون النفخة الثانية نفخة البعث والنشور وفى الصور ثقوب على قدر أرواح الخلائق كلها فينفخ اسرافيل فتطير الأرواح إلى أجسادها ، تطير أرواح المؤمنين تتوهج نورا وأرواح الكافرين ظلمة ، ويقول الله عز وجل 
(( وعزتي وجلالي لتدخلن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره فى الدنيا فتدب الأرواح فى الأجساد فتقوم من قبورها تنفض التراب عن رأسها ، { ِيَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }القمر8 ويقول المؤمنون :
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } فاطر34
     قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( حين بُعِثَ إلـىّ، بُعِثَ إلى صاحب الصور فأهوى به إلى فيه ـ أي إلى فمه ـ وقدم رجلا وأخر أخرى ينتظر متى يؤمر بالنفخ ألا فاتقوا النفخة )) .
قال عكرمه : ينادى منادى الرحمن فكأنما ينادى فى آذانهم يوم يسمعون الصيحة بالحق وذلك قوله جل وعلا : { يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ }ق42 أى ينادى صاحب الصور للوقوف بأرض المحشر فيُبْعَثُ من فى القبور وذلك قوله جل وعــلا : { يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ }ق44   فكلما حيا واحد سمع ما يحيا به من بعده إلى أن يتكامل الجميع للخروج ، وتجمع الأرواح فى الصور وفيه ثقوب على قدر أرواح الخلائق كلها فإذا نفخ فيه
 
 
النفخة الثانية ذهبت كل روح إلى جسدها ، فيخرجون جميعا ، يقول جل وعلا :{ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }يس51 أى من القبور إلى ربهم يخرجون سراعا .
       وروى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوى السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ )) .
    وروى مسلم عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يطوى الله السماء يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يطوى الأرض بشماله ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون ، أين المتكبرون ؟ )) ، وفى رواية لمسلم عن عبد الله بن مُقْسِم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : (( يأخذ الله سماواته وأراضيه بيديه ، فيقول : أنا الله ، ويقبض أصابعه ويبسطها فيقول : أنا الملك )) ،  وذلك قوله جل وعلا :
{ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ
وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ }الأنبياء104
      يقول عبد الله : حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل حتى أنى أقول : أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } ق20  ،      وعند النفخة الثانية يقف الخلق جميعا شاخصة أبصارهم قيام ينظرون وذلك قوله جل وعلا { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } ، نعم الجميع واقفون فذلك يوم الوعيد قال جل وعلا :فيساق الخلائق بعد البعث والنشور حفاة عراة غرلا إلى ارض المحشر .
 روى عن سودة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :  ((يبعث الناس حفاة عراة غرلا قـــد الجمهـم العـرق    وبلغ شحوم الآذان )) ، قالت سودة يا رسول الله وسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض فقال :((شـغل الناس عن ذلك بـهم لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) ، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }عبس34 ـ 36
فأعظم بيوم تنكشف فيه العورات ويؤمن فيه مع ذلك النظر والالتفات يقــول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :(( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرص النقى ليس فيها مَعْلَمٍ لأحد ـ أى لاساتر لأحد يستتر به ـ ))
وذلك قوله جل وعلا : {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }إبراهيم48
 روى أبو وائل عن ابن مسعود أنه قال : إن مناديا ينادى بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله عليها فيقول : (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)
 
 
فيجيبه العباد : ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ،    ويقول مسلم فى صحيحه أن القائل هو الله جل وعلا ، يقول : ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيجيب نفسه المقدسة بقوله : ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) .
      يزدحم الموقف بأهل السماوات السبع والأراضين السبع من ملك وجن وإنس وشيطان ووحش وسبع وطيـر فتشرق عليهم الشمس ويوضع الكتاب ويجاء بالنبيين والشهداء فيقضى بينهم بالحق يقول جل وعلا مخبرا عن ذلك  :
(( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ))
   وحين تشرق الشمس يتضاعف حرها وتتبدل عما كانت عليه من خفة أمرها ثم يدنيها رب العزة من رؤوس العالمين كقاب قوسين فلا يبقى على الأرض ظل إلا ظل عرش رب العالمين ولا يُمَكَّن من الاستظلال به إلا المقربون ،  فمن بين مستظل بالعرش ومضح لحر الشمس وقد صهرته بحرها واشتــد كربه وغمه من وهجها ، فتتدافع الخلائق بعضهم بعضا لشدة الزحام فيفيض العرق من أصل كل شعرة حتى يسيل على صعيد القيامة ثم يرتفع على أبدان الخلائق قدر منازلهم عند الله  ، فمنهم من يَبْلُغُ العرق ركبتيه وبعضهم حقويه وبعضهم إلى شحمة أذنيه وبعضهم يكاد يغيب فيه ،وفيهم من ينادى فيقول رب أرحني من هذا الكرب والانتظار ولو إلى النار ، يتمنى المرء الراحة من شدة هول ذلك اليوم ويطلب الراحة حتى ولو كانت فى النار يا سبحان الله ، وكل ذلك ولم يلقوا بعد حسابا ولا عقابا ،رحماك ربنا رحماك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
 روى عقبه بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( تدنو الأرض يوم القيامة فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه عقبه ومنهم من يبلغ نصف ساقه ومنهم من يبلغ ركبته
ومنهم من يبلغ خاصرته ومنهم من يبلغ فاه ، وأشار بيده فألجمها فاه ، ومنهم من يغطيه العرق ، وضرب بيده على رأسه هكذا ))
قال أبو هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهمفى الأرض سبعين باعا ويلجمهم ويبلغ آذانهم ))وروى البخاري فى صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(( قياما شاخصة أبصارهم أربعين سنة إلى
السماء فيلجمهم العرق من شدة الكرب ))
    فتأملوا عرق أهل المحشر وشدة كربهم ، فكل عرق لم يخرجه التعب فى سبيل الله من تحمل مشقة أو في أمر بمعروف أو نهى عن منكر فسيخرجه الحياء والخوف من الله فى صعيد يوم القيامة ، فلو سَلِمَ ابن آدم من الجهل والغرور لَعَلِمَ أن تعب العرق وتحمل مصاعب الطاعات أهون أمرا وأقصر زمانا من عرق الكرب والانتظار فى القيامة فهو يومٌ عظيمة شدته طويلة مدته ، يوم تقف فيه الخلائق شاخصة أبصارهم يقفون ثلاثمائة عام لا يأكلون فيه أكلة ولا يشربون فيه شربة ولا يجدون فيه روح نسيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، وللحديث بقية ...
 
 
 
  Today, there have been 8683 visitorson this page!  
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free