الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمه
الحمد لله الذى جعل جهنم للكافرين ماكثين فيها أبدا فكانت لهم رصدا ونقمة
وجعل الجنة للمتقين خالدين فيها أبدا وزادهم فيها مهابة ورفعة
فنحمدك اللهم حمد الشاكرين أن جعلتنا من أمة حبيبك محمد
صلى الله عليه وسلم
ونسألك اللهم أن تحشرنا معه فى الفردوس الأعلى فأنعم بها خير صحبة
تلك هى الحلقة السادسة عشر من لقاءات السلسلة المباركة فى رحاب الدار الآخرة، وكنا فى اللقاء السابق قد انتهينا من الحديث عن شفاعة الحبيب وسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلمخاتم الأنبياء والمرسلين ، حين يأذن الله جل وعلا بالشفاعة فيفوز من يفوز بكرامة شفاعة سيد الأولين والآخرين لينضم إلى أصحاب الحسنات ليكون من أهل الجنة التي أعدها رب العزة جل وعلا للمتقينثم يكون لهشرف الورود على حوضه صلى الله عليه وسلم ، وتزدحم النار بأهل الكفر والمشركين المغضوب عليهم والضالين .
فوصلا بما سبق ، نستكمل الحديث بمشيئة الله وأمره عن حال أهل النـار، وقبل الحديث نشير إلى أمرين : أولهما : أن ما سنقوله اليوم من خلال ذلك اللقاء من حديث عن النار وأهلها يجب ألا يجعلنا نقنط من رحمة الله فإن الله جل فى علاه مهما بلغت ذنوب ابن آدم فإنه سبحانه يغفرها إذا ما عاد ابن آدم قبل فوات الفوت والأوان وتاب وأناب وعاد للحنان المنان قال جل وعلا :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53
وقال عزمن قائل : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }النساء48
وروى عن عطاء عن رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نضحك فقال : (( أتضحكون والنار من ورائكم والله لأراكم تضحكون ، ثم أدبر فكأن على رؤوسنا الرخم ، ثم رجع الينا القهقرى وقال : جاء جبريل عليه الصلاة والسلام وقال : إن الله تعالى يقول : لم تقنط عبادى من رحمتى{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ } الحجر49 ـ 50))
وروى بن حبان قال : سمعت الفضل بن الحباب يقول سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم يقول سمعت محمدا يقول سمعت أبا هريرة يقول : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه يضحكون فقال :
(( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
فأتاه جبريل فقال إن الله قال لك لم تقنط عبادي قال :
فرجع إليهم وقال سددوا وابشروا))
قال بن حجر فى فتح البارى وعند بن حبان من حديث أبي هريرة قال :(( مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فأتاه جبريل فقال إن ربك يقول لك لا تقنط عبادي فرجع إليهم فقال سددوا وقاربوا )) .
وفى مصنف بن شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ويعلى عن الأعمش عن أبي سعيد عن أبي الكنود قال : مـر عبد الله على قاصٍ وهو يذكر النار فقال : يا مذكر ! لا تقنط الناس وتلا قول الله تعالى :{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ }الزمر53
لذلك أحبائى فى الله فكل ما يتم ذكره عن النار ووصفها يجب ألا يجعلنا نقنط من رحمة الله فقد قال سبحانه وتعالى :
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }الأعراف156
أما الأمر الثانى أحبائي في الله .. فإنه يجب على كل منا ألا يغفل عن التفكر فى الميزان وتطاير الكتب ، فالناس بعد السؤال فرق ثلاث:
الفريق الأول : ليس لهم حسنة فيخرج من النارعنق أسود فيلتقطهم لقــط
الطير للحب وينطوى عليهم ويلقيهم فى النار فتبتلعهم وينادى
عليهم شقاوة لاسعادة .
أما الفريق الثانى : فهم من لا سيئة لهم فينادى مناد ليقم الحامدون لله على
كل حال فيقومون ويسرحون إلى الجنة ثم يفعل ذلك بأهل قيام
الليل ثم بمن لم تشغله الدنيا ولا بيعها عن ذكر الله تعالى الذين
صدق فيهم قول الله تعالى : { لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن
ذِكْراللَّهِ }النور37وينادى عليهم سعادة لاشقاوة بعدها .
أما الفريق الثالث : وهم الأكثرون الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وقد
يخفى عليهم ولا يخفى على الله تعالى أن الغالب حسناتهـم أو
سيئاتهم ولكن يأبى الله إلا أن يعرفهم ذلك ليبين فضلـه عنـد
العفو وعدله عند العقاب .
فعلى كل غافل مغرور بما هو فيه من شواغل هذه الدنيا المشرفة على الانقضاء والزوال نقول له دع التفكر فيما أنت مرتحل عنه :
فيا من بدنياه اشتغـــل وغـره طــول الأمــل
الموت يأتـى بغتــــة والقبر صنـدوق العمــل
فاصرف الفكر أيها الغافل إلى موردك فانك قد أخبرت بأن النار مورد للجميع فقد قال خالق الكون والبرية :
(( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا
*ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ))مريم 71و72
أسأل الله العلى القدير أن نكون من وارديها وألا نكون من داخليها اللهم ارزقنا الجنة واجعلها لنا خير مقاما وأبعدنا عن النار وعذابها فان عذابها كان غراما .
فإن لجهنم ظلمات ذات شعب ونار ذات لهب ، زفيرها يفصح عن شدة الغيظ والغضب تجثوا لهوله الأمم على الركب ،ويوقن المجرمون بالعطب ، فلا ينجيهم الندم ولا يغنيهم الأسف بل يكبون على وجوههم مغلولين فى أودية جهنم وشعابها ،يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن فى جهنم سبعين ألف واد وفى كل واد سبعون ألف شعب وفى كل شعب سبعون ألف ثعبان وسبعون ألف عقرب
لا ينتهى الكافر والمنافق حتى يواقع ذلك كله ))
وقال صلوات الله وسلامه عليه أيضا :
(( إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة لينتعل
بنعلين من نار فيغلى دماغه من حرارة نعليه ))
هذا هو حال أدنى أهل النار عذابا فما بالنا عباد الله بأكثر وأشد الناس عذابا
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن ذكر النار :
(( اذكروا من النار ماشئتم
فلا تذكرون منها شيئا إلا وهى أشد منه ))
وروى شريك عن أبي صالح عن أبى هريرة رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أوقد على النار ألف سنة حتى احمرتثم أوقد عليها ألف سنة أخرى حتى ابيضتثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت
فهى سوداء كالليل المظلم ))
وروى البخاري ومسلم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( اشتكت النار إلى ربها فقالت : يارب أكل بعضى بعضا
فجعل لها نفسين : نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف
أشد ما تجدون من البرد من زمهرير ها وأشد ما تجدون
من الحر من سمومها ))
أحبتي في الله ...
لقد أخبرنا رب العزة جل فى علاه عن نار جهنم فقال : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }الحجر44 ، قال أهل العلم مقسوم من الكفار والمنافقين والشياطين .
وروى أن بلال رضى الله تعالى عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في مسجد المدينة وحده ، فمرت أعرابية فصلت خلفه ولم يعلم بها ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } الحجر44 ، فخرت الأعرابية مغشيا عليها وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبتها ( أي سمع تشنجها وبكاءها) فانصرف ، ودعا بماء فصب على وجهها حتى أفاقت وجلست ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا هذه مالك ؟ )) فقالت : هذا شئ من كتاب الله أو شئ من تلقاء نفسك ؟ فقال : (( يا أعرابية ، بل هو من كتاب الله المنزل )) ، فقالت : كل عضو من أعضائي يعذب على بابها ؟ قال : (( يا أعرابية ، بل لكل باب منهم جزء مقسوم يعذب أهل كل باب على قدر أعمالهم )) ، فقالت : والله إني امرأة مسكينة لا مال لي ، ولا لي إلا سبعة أعْبُـد أشهدك يا رسول الله أن كل عبد منهم على باب من أبواب جهنم حر لوجه الله تعالى ، فأتاه جبريل عليه السلام فقال : (( يا رسول الله ، بشر الأعرابية أن الله قد غفر لها وحرم عليها أبواب جهنم وفتح لها أبواب الجنة كلها )) .
وللحديث بقية ، فالي أن نلتقي أسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة وأن يحرم أجسادنا على النار فهو سبحانه ولى ذلك والقادر عليه .