الحمد لله حمدا دائما لايعد
وصلاة وسلاما دائمين على الحبيب محمد ليس لها منتهى او حد
وعلى آله وصحبه الطاهرين الى يوم الدين ماطال الزمان وامتد
أحبتى فى الله نستكمل فى هذه الحلقة الرد على تساؤلنا لأنفسنا ماذا أعددنا للفوز بالجنة وبالنظرالى وجهه الكريم تبارك وتعالى ؟ أو بعبارة أخرى ماذا علينا أن نفعل من الآن لنحظى بذلك ؟ ، وفى ذلك نقول :
إن باب التوبة لايغلق والطريق إليه يسير وبدايته الرجوع إلى الله عز وجل قال ابو بكررضى الله تعالة عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين ويستغفر الله إلا غفر الله له ، ثم تلا قول الله تعالى :
((وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ
يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)) النساء110
وفى رواية أخرى أنه تلا قول الله تعالى :
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }آل عمران135 ، 136
وباب التوبة مفتوح حتى ولو كان العبد فى لحظات الإحتضار الأخيرة فقد روى ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه ليلة المعراج فقال:
(( قلت : يارب ماأعطيت لأمتى ؟ فقال رب العزة : يامحمد قد غفرت لسبعين ألفا من أمتك قد وجبت لهم النار
قلت : يارب زدنى ، قال : إذا تاب العاصى قبل موته بسنة تبنا عليه قلت : يارب زدنى فالسنة كثيرة ، قال : اذا تاب قبل موته بشهر تبنا عليه ، قلت : يارب زدنى فالشهر كثير ، قال : إذا تاب قبل موته بجمعة تبنا عليه ، قلت : يارب زدنى فالجمعة كثير،
قال : إذا تاب قبل موته بيوم تبنا عليه . قلت يارب زدنى فاليوم كثير ، قال : إذا تاب قبل موته بساعة تبنا عليه
قلت : يارب زدنى فالساعة كثير ،
قال : اذا تاب قبل الغرغرة جدنا عليه وقبلنا توبته )) .
تلك دعوة من الله بالعود الى الله فهل للدعوة من ملبى ؟ وهل للفرصة من مغتنم ؟ ، قال بن عباس رضى الله تعالى عنهما :
(( ان العبد اذا تاب قبـل الله توبته فلا ينبغى للعبد أن ييأس من رحمة الله تعالى فان الله تعالى قال :
(( وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ
إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )) يوسف 87
فلا تيأسوا عباد الله من رحمة الله ولا تجعلوا لإبليس اللعين بابا يدخل منه اليكم فانه قد توعد ابن آدم ألا يفارقه حتى تفارق روحه جسدة .
قال الحسن البصرى رحمه الله تعالى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(( لما أهبط الله عز وجل إبليس عليه اللعنة قال : بعزتك وعظمتك إنى لا أفارق إبن آدم حتى تفارق روحه جسده ،
فقال الرب سبحانه وتعالى :
وعزتى وعظمتى لا أحجب التوبة عن عبدى حتى يغرغر بها ))
أحبتى فى الله ...
إن الله سبحانه وتعالى من كرمه على عباده لايرد العصاة عن المعصية بالعذاب وإنما يردهم بالإحسان ليستحوا منه فيتوبوا ، سأل داود عليه السلام رب العزة فقال :
(( إلهى ماكرمك على عبادك ؟ فقال الله سبحانه وتعالى : ياداود
إنى لا أرد العصاة عن المعصية بالعذاب ، بل أردهم
بالاحسان ليستحوا منى فيتوبوا الىّ ، ياداود قل للمتلذذين
بذكرى: هل وجدتم ربا أكرم منى ؟ )) .
وروى كذلك أنه إذا مات العبد عاصيا ، وجمع الله الخلائق يوم القيامة صفوفا ، فيدخل فى صف العلماء فيمنعونه ، ثم يدخل فى صف المصلين فيمنعونه ، فيقول : وافضيحتاه ، مابقى إلا النار فيذهب إليها بنفسه فيراه مالك خازن النار فيقول : إلى أين تذهب ؟ فيقول إلى النار ، فيقول مالك : من أى الأمم أنت ؟ فيقول : من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول مالك : إذهب إليه ، فيقول العاصى : لا أعلم موضعه ، فيقول : إنه تحت العرش ، فيذهب إليه باكيا مستغيثا ، فيقول النبى صلى الله عليـه وسلــم :
(( إنى مشغول بالأمة )) فعند ذلك ينادى مناد : يامن لاشريك له إرحم من لاشفيع له ، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم : ((يارب ، أمرتنى أن لا أشفع فيه ، ثم تدخله الجنة )) ، فيقول الله عزوجل له :
(( لما انقطع رجاؤه من الخلق رجع الىّ
واعتمد علىّ وأنا الجواد ، من قصدنى وجدنى ))
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( يؤتى برجل يوم القيامة من أمتى ، له ذنوب كعدد رمل عالج ، فيوقف بين يدىّ الله ، فيقول : انطلقوا به إلى النار ، فينطلق به إلى النار ، ثم يلتفت
فيقول الله تعالى : مالك تلتفت ؟ ، فيقول : يارب خرجت من الدنيا وما انقطع رجائى منك ، فيقول الله تعالى : وعزتى وجلالى ، ماكان هذا ظن عبدى ، ولكن هذه دعوى إدعاها ، أشهدكم ياملائكتى أنى قد قبلت دعواه وغفرت له)) .
وفى رواية عن الحسن البصرى رحمه الله تعالى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لما أهبط الله عز وجل إبليس عليه اللعنة قال بعزتك وعظمتك إنى لا أفارق إبن آدم حتى تفارق روحه جسده ، فقال الرب سبحانه وتعالى : وعزتى وعظمتى لا أحجب التوبة عن عبدى حتى يغرغر بها ))
ختاما أيها الاخوة الأحباب نقول ...
إن التفريط فى حق الله هو حال الكثيرين اليوم بل وإن نسيان الدار الآخرة والجزاء والحساب والموقف هو ما أصاب الكثيرين فى هذا الزمان الذى نعيشه الآن فقد أصبح الناس وأضحوا وأمسوا وباتو لا يتفكرون إلا فى الدنيا وشهواتها التى تزينت لهم وأغوتهم بغوايتها حتى نسوا الذكر ونسوا الهدف من وجودهم مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذر منها فيما رواه البخارى انه قال :
(( والله ما الفقر أخشى عليكم ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ))
وقال كذلك صلوات الله وسلامه عليه فى خطبة له :
(( المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقى لايدرى ما الله قاض فيه فليتزود العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن حياته لموته ومن شبابه لهرمه فإنها خلقت لكم وأنتم خلقتم للآخرة والذى نفسى بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))
فمن أراد الجنة والفوز بالنظر لوجه الله تعالى واشتاق للقائه فعليه أن ينصاع لامر الله وأن يبادر بالمسارعة للفوز عملا بقوله تعال فى سورة :
(( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * َالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً
َوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )) آل عمران / 133/ 136
ويكفى المسلم فى طلبه للجنة ان يمشى متعجلا السير الى الآخرة بالعمل الصالح والعبادة الخالصة لله تعالى فمنم كان لله عليه دين فليبدأ بقضائه ويعلن التوبة والرجوع الى الله واعلموا أن الذنوب على وجهين ... ذنب فيما بين العبد وربه ، وذنب فيما بين العبد وباقى العباد .
اما الذنب بين العبد وربه فتوبته الاستغفار باللسان والندم بالقلب والإضمار أن لا يعود ، فان فعل ذلك لايبرح مكانه حتى يغفر الله له إلا ان يترك شيئا من الفرائض فلن تنفعه التوبة مالم يقض مافاته ثم يندم ويستغفر
أما الذنب الذى بين العبد وباقى العباد فمالم يرضهم لاتنفعه التوبة حتى يحلوه أى يسامحوه ويرضون عنه .
روى عن بعض التابعين أنه قال : إن المذنب يذنب فلا يزال نادما مستغفرا حتى يدخل الجنة فيقول الشيطان ياليتنى لم أوقعه فيه ، أى ياليته لم يوقعه فى الذنب الذى استغفرمنه فتاب عليه الله باستغفارة وتوبته فأدخله الجنة ، ويكون ممن قال فيهم رب العزة جل شأنه :
(( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ))
كما يكون قد دخل تحت لواء محبة الله تعالى حيث قال :
(( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )) البقرة 222
وقال بعض الحكماء انما تعرف توبة الرجل فى اربعة اشياء :
أحدها : أن يمسك لسانه من الفضول والغيبة والكذب .
والثانى : أن لايرى فى قلبه حسدا ولا عداوة .
والثالث : أن يفارق أصحاب السوء .
والرابع : أن يكون مستعدا للموت نادما مستغفرا لما سلف من ذنوبه مجتهدا على طاعة ربه .
وقد سئل حكيم آخر :
هل للتائب من علامة يعرف بها أنه قبلت توبته ؟ قال : نعم علامته اربعة اشياء :
أولها : ان ينقطع عن اصحاب السوء ويريهم هيبة من نفسه ويخالط الصالحين .
والثانى : ان يكون منقطعا عن كل ذنب ومقبلا على جميع الطاعات .
والثالث : ان يذهب فرح الدنيا كلها من قلبه ويرى حزن الآخرة كلها دائما فى قلبــه .
والرابع : أن يرى نفسه فارغا عما ضمن الله تعالى له من الرزق مشتغلا بما أمر به .
فاذا وجدت فيه هذه العلامات فهو من الذين قال الله تعالى فى حقهم :
((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة222
ووجب له على الناس اربعة اشياء :
أولها : أن يحبوه فان الله تعالى قد أحبه .
والثانى : أن يحفظوه بالدعاء على ان يثبته الله على التوبة .
والثالث : انلايعيروه بما سلف من ذنوبه .
والرابع : أن يجالسوه ويذاكروه ويعينوه .
وكذلك يكرمه الله تعالى بأربع كرامات :
أحدها : ان يخرجه الله تعالى من الذنوب كأنه لم يذنب قط .
والثانى : أن يحبه الله تعالى .
والثالث : أن لايسلط عليه الشيطان ويحفظه منه .
والرابع : أن يؤمنه من الخوف قبل أن يخرج من الدنيا لأنه عز وجل قال :
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فصلت30
وورد فى الخبر : (( اذا تاب العبد توقد توبته بين السماء والارض سبعين
قنديلا ، وينادى المنادى ألا وإن العبد قد اصطلح مع ربه ))
وقد روى عن خالد بن معدان أنه قال :
)) اذا دخل التوابون الجنة قالوا ألم يعدنا ربنا أن نرد النارقبل أن ندخل الجنة ؟
قيل لهم إنكم مررتم بها وهى خامدة ))
أحبائى ... بقى ان نبين أمرا هاما ، فان من أكرمه الله من العاصين بأن تاب عليه فى الدنيا فينبغى على الناس أن يعينونه على توبته ورجوعه الى الله ، بأن لايُذَكِّرُونَهُ بما كان عليه حاله قبل التوبة فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( من عيـّر مؤمنا بفاحشة فهو كفاعلها وكان حقا على الله
أن يوقعه ، ومن عيـّر مؤمنا بجريمة لم يخرج من الدنيا
حتى يرتكبها ويفتضح بها ))
اللهم ياغافر الذنب اغفر ذنوبنا اللهم ياساتر العيب استر عيوبنا
اللهم ياقابل التوب اقبل توبتنا وتب علينا لنتوب
اللهم ارزقنا لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها
أنت وليها ومولاها